تأثير المشكلات الأسرية على الطفل

الأسرة في اللغة العربية هي الجماعة التي يربطها أمر مشترك، أو الدرع الحصينة، أو الأسر والقيد، وحسب آرنست بيرجسي فإنه يعرف الأسرة: بأنها مجموعة من الأشخاص ارتبطوا بروابط الزواج، أو الدم، أو التبني، مكونين الحياة الاجتماعية كل مع الآخر، ولهم ثقافة مشتركة ومميزة. فالأسرة هي الركيزة الأساسية لبناء المجتمع.
 
ما هو بناء الأسرة؟
تبدأ الأسرة بما يسمى بالأسرة النواة، والتي تتكون من الزوجين والأولاد، وتكبر الأسرة النواة لتشكل ما يسمى بالأسرة الممتدة، والتي تتكون من الجد، والجدة، وأولادهما، والأحفاد. 
وأساس المجتمع هو الأسرة النواة، والتي تتسم بقوة العلاقات الاجتماعية بين أفرادها، من حيث حسن الترابط والتكامل والمعاشرة الطيبة والتربية الجيدة، والبعد عن المشكلات الاجتماعية، من أجل ضمان استمراريتها وديمومتها، لأن الاختلال في نظام الأسرة من حيث الخلافات والمشاكل، التي قد تنشأ بين الزوجين تؤدي إلى غياب الاستقرار، بظهور الخلافات التي تؤدي إلى العنف والقهر والقلق، وبالنهاية الانفصال بين الزوجين الذين هما عماد الأسرة، ومنعكسات هذا الانفصال على الأطفال. 
  لا يوجد أسرة لا تتعرض لمشكلات، والمشكلات التي قد تتعرض لها الأسرة قد تكون بسيطة تزول بزوال أسبابها، بحيث يعالج الأبوين المشاكل بحكمة وهدوء، بعيداً عن التشنج والصدام والصراخ، وهذا ينمي لدى أطفالهم الحس بالمسؤولية والثقة وأهمية الحوار لحل المشاكل بشكل عام والأُسرية بشكل خاص. أو قد تكون مشكلات عميقة عنيفة، يمكن أن تهدد كيان الأسرة بأفرادها، بسبب سوء معالجتها.
 
ما هي وظائف الأسرة؟
للأسرة وظائف عديدة على رأسها:
وظيفة بيولوجية: تتمثل بالإنجاب.
وظائف اقتصادية: من حيث تأمين مصادر المادية والإنفاق على الأسرة.
وظيفة نفسية: تهدف لتأمين الجو الهادئ والراحة والحب والثقة للأطفال.
وظائف اجتماعية: من أجل تأهيل الأطفال ليندمجوا بمجتمعهم ومسايرة ومتابعة وتبني عاداته.
 وظيفة تعليمية: تقديم الدعم اللازم للأطفال لإدخالهم في المدارس، واستكمال مسيرتهم التعليمية.
 
ما هي أسباب المشاكل الأسرية؟
المشاكل الأسرية هي منعكس لخلل ما يحدث في الأسرة، ومصدر هذا الخلل قد يكون من داخل الأسرة (فرد أو أكثر)، أو من خارج نطاق الأسرة، مما يجعل الأسرة مضطربة وغير مستقرة..
و للمشاكل الأسرية مصادر مختلفة، فقد يكون مصدرها اقتصادي (عدم كفاية مدخول الأسرة، هزات مالية تصيب الأسرة)، أو عاطفي، أو اجتماعي، أو نفسي، أو سلوكي (عنف، قهر، إكراه)، أو تعليمي، أو ثقافي.
 
ما هي تأثير المشاكل الأسرية على الأطفال؟
يعتبر الأطفال والديهم القدوة الحسنة لهم، فأبويهم هما مصدر المعرفة والمحبة والسلام والاحترام المتبادل، مادام والديهم يعيشان عيشة ملؤها المحبة والرحمة والتفاهم، قال عليه الصلاة والسلام (ليس منا من يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا)، لكن دخول المشاحنات والخلافات والصدامات الدائمة بين الأبوين خاصة أمام أطفالهم، تكون سبباً لاهتزاز نفسية الأطفال، بحيث يفقدون الإحساس بالأمان داخل أسرتهم، و تجعلهم قلقين بشكل دائم من أن المشاحنات يمكن أن تبدأ في أي وقت بين والديهم، وخوفهم يزداد بزيادة ارتفاع حدة الخلافات والشجارات في أسرتهم، خاصة عندما يصل إلى مستوى الصراخ، واستخدام الألفاظ الجارحة والإهانات والاعتداء الجسدي، والتهديد الذي قد يصل إلى مستوى الطلاق، كان عليه الصلاة والسلام إذا رأى أحداً من أصحابه لا يرحم أولاده يجزره بحزم فعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبلون صبانكم، فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة). وقد لا يكون مصدر المشكلات من الأبوين أنفسهم، لكن يمكن أن تكون المشكلة بين أحد الأبوين أو كلاهما مع أحد أفراد الأسرة (الأولاد) الذي يمر أو التي تمر بمرحلة المراهقة، والذي يؤثر على نفسية الأطفال الصغار ضمن نفس الأسرة
 
ما هي الآثار السلبية على الأطفال:
1 – فقدان الطفل لإحساسه بالأمان العاطفي: فالمشكلات والخلافات العائلية توصل الطفل لقناعته بأن الروابط العاطفية، والمحبة ضمن أسرته أصبح مفقوداً.
 2 – إضعاف العلاقة والتواصل بين الأبوين وأطفالهما: فاستمرار الخلافات والصراعات بين الأبوين يجعلهما متنافرين، بحيث يبتعد أحدهما عن الآخر، وبالتالي هما يبتعدان عن أطفالهما، وبالتالي ينخفض مستوى المشاعر الدافئة بينهما وبين أطفالهما.
 3 – تأثير صحي: للعامل النفسي المرتبط بالقلق والتوتر دوراً هاماً في إحداث المرض في الإنسان، وعلمياً يؤدي القلق والتوتر إلى زيادةٍ في إفراز الجسم لهرمون الكورتيزول في الدم، والذي يسبب ضعف في مناعة الجسم لمقاومة الأمراض، وبالتالي سهولة إصابته بالمرض، فتعرض الطفل بشكل مستمر للقلق والتوتر الناتج عن الخلافات داخل أسرته، ترفع من هرمون الكورتيزول في جسمه، وبالتالي يكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
 4 – تأثير نفسي: المشكلات الأسرية تؤثر بقوة على الصحة النفسية والعقلية والسلوكية للأطفال، من خلال جعلهم عدوانيين و صداميين، و يسلكون سلوك التخريب والتمرد وعدم الرضى، والامتثال لأوامر أهلهم، إضافة لإصابتهم بالاكتئاب. 
 5 – تأثير على علاقة الأطفال مع الآخرين في المستقبل: فالطفل الذي ينشأ في بيئة أسرية ملؤها الخلافات والصراعات، سوف يكتسبون سلوكيات عائلاتهم السلبية التي عاشوها في صغرهم، وتنطبع جزئياً أو كلياً في نفسيتهم، وسوف يتعاملون في المستقبل عندما يكبرون مع أزواجهم أو زوجاتهم كما كان يتعامل آباؤهم مع بعضهم البعض، أو أن يتولد لديهم خوف من إقامة علاقات عاطفية طبيعية، أو الخوف من الفشل في تشكيل أسرة خاصة بهم في المستقبل، قال الله تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)  الأعراف 30.  
 6 – تأثير على الأداء العلمي: المشكلات الأسرية على الأغلب من أحد الأسباب التي تؤثر على قدرة الأطفال على التركيز وحسن الاستيعاب في تحصيلهم المدرسي، وازدياد تسربهم من مقاعد الدراسة، والذي قد يقودهم إلى الانحراف، أو الإدمان، وضعف تركيز وانتباه الطفل على تلقي المعلومات في مدرسته مرتبطاً بقوة بالمشاكل التي يعيشها في أسرته. 
 
ختاماً:
نقول إن الله عز وجل أنعم علينا بالأطفال، وجعلنا أوصياء عليهم، ووضع في قلوبنا نحن الآباء الحب والحنان تجاههم، وحثنا على أن نبذل قصارى جهدنا في تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الكريمة، من أجل إعدادهم الإعداد الصالح في هذه الحياة، والمساهمة في إعمار الكون الذي خلقه الله وبما أمر، قال الله تعالى (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)  الروم  30، لذا علينا أن نبعد عنهم كل ما يسبب لهم من المنغصات والمشكلات التي تجعلهم فريسة للضغوط النفسية من قلق وتوتر، ويعيشون حياة تخلو من الحب، ويغدو فكرهم وسلوكهم مشبع بدرجات من الكره والبغضاء تجاه أنفسهم ومجتمعهم.
تأثير المشكلات الأسرية على الطفل
المقالات