الحوار البناء بين الآباء والأبناء

ما هو الحوار؟
الحوار هو التشاور المتبادل بين طرف مع طرف آخر أو أطراف أخرى، من أجل تحقيق التفاهم بين المتحاورين، من خلال الاستماع الفعال لتحديد مواطن التشابه والاختلاف في وجهات النظر، بعيداً عن التعصب بأشكاله الفكرية، أو العرقية، أو الاجتماعية وبدون تطرف، أو تشنج. 
وقد ورد الحوار في القرآن الكريم ثلاث مرات كقول الله تعالى (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) الكهف 34 
  
 ما هي الوظيفة الأساسية للحوار؟
يعتبر الحوار وسيلة من وسائل نقل الآراء والأفكار والمعلومات والخبرات من الآباء إلى الأبناء، والملاحظ أن الكثير من الأبناء خاصة المراهقين يرفضون أو يتذمرون من تلقي معارف ونصائح وإرشادات وخبرات آبائهم، لأنهم يعتبرون أن لغة التواصل والتفاهم والتحاور بين آبائهم وبينهم تتسم بصيغة الأمر والفرض والإكراه، وأن آباءهم يتغاضون عن معرفة وإدراك قدراتهم ومعارفهم، وهذا بسبب ضعف لغة التواصل البناء بين الطرفين، وهنا يخسر الأبناء فرصة التعلم والاستفادة من تجارب وخبرات آبائهم أو من يكبرهم سناً.
 
ماذا يسبب ضعف الحوار بين الإباء و الأبناء 
يعتبر أغلب الأبناء أن ضعف لغة الحوار البناء بينهم وبين آبائهم سبباً في تخليهم عن تحقيق رغباتهم وأحلامهم في اختيارهم لمهنة مستقبلهم (على سبيل المثال) التي يرغبون بها ويجدون أنفسهم فيها، لكن لغة الآباء تجبرهم على اختبار ما أختاروه هم لهم، لأن الأبناء عادة لايستطيعون الرفض والوقوف أمام سلطة آبائهم. وفي كثير من الأحيان يكون رفض الآباء لأن يقوم أولادهم بعمل ما يرغبون القيام به، مرده حرص الآباء على مصلحة وسلامة أبنائهم، بينما يفسره الأبناء أنه تدخل وإكراه وحب السيطرة عليهم، والمشكلة هنا أن الآباء كانوا يوجهون أولادهم بصيغة آمرة لكن بدون إيضاح الأسباب التي دفعتهم لاستخدامهم هذا الأسلوب بلغة حوارية مقنعة لأبنائهم.
 
ما هي الأسباب التي تقف وراء ضعف أو انعدام لغة الحوار والتواصل؟
يفسر أخصائي الإرشاد النفسي والتربوي أن الأسباب التي تقف وراء ضعف أو انعدام لغة الحوار والتواصل بين الآباء وأبنائهم، هي التنشئة الاجتماعية السلبية التي نشأ عليها الآباء في صغرهم، تلك النتشئة التي أصبحت جزء من سلوكهم وبالتالي تنعكس بشكل سلبي أيضاً على تكريس أسلوب فرض القرارات على أبنائهم، إما بسبب ضعف شخصيتهم أمام أولادهم، وبالتالي عدم قدرتهم على الحوار معهم، أو بسبب انشغال الأهل عنهم وعدم إيجاد الوقت الكافي للاستماع لمشاكلهم ومحاورتهم والاطلاع على رغباتهم، وعدم القدرة على الحوار وانشغال الأهل عن أولادهم يمكن أن يرد إلى ضغوطات الحياة وضغوطات العمل وسعي الآباء إلى تلبية متطلبات أسرتهم، وهذا يؤدي إلى بناء الحواجز بين الطرفين، وانعدام الثقة، وضعف العلاقات بينهم، وسيادة التوتر والمشاحنات داخل الأسرة، وكل هذا قد يقود الأبناء  إلى البحث عمن يستمع إليهم ولمشاكلهم فيجدون البديل، وهم رفاق السوء الذين يجرونهم إلى عالم الانحراف.
 
 ما هي النصائح لتحقيق حوار بناءة بين الآباء والأبناء؟
لتحقيق لغة حوار بناءة بين الآباء والأبناء من المهم:
1 - عقد اجتماعات دورية بين الآباء والأبناء: وإجراء حوارات لمناقشة شؤون الأسرة، والذي يؤدي إلى تنمية قدرات وإمكانيات الأبناء على التفكير والتحليل، والجرأة على طرح آرائهم واحترام أفكار وطروحات الغير.
2 – حسن إنصات الآباء للأبناء عندما يتحدثون معهم، وتفهمهم لآرائهم ومشاكلهم، ومناقشتهم بما يتناسب مع سنهم وتفكيرهم، وعدم إلغاء شخصيتهم بمقاطعتهم أثناء حديثهم، يؤدي هذا إلى زيادة ثقتهم في أنفسهم، ويعطيهم الجرأة في التكلم وطرح آرائهم بصراحة.
3 – تعليم الأبناء مفهوم تقبل الآخر، والحوار الهادئ الخالي من التوتر والعصبية والتعصب لأي رأي، وعدم استخدام الألفاظ غير اللائقة، فالحوار الهادئ والإيجابي بين أفراد الأسرة أساس لسعادتها، ويزيد من ترابطها وتماسكها.
4 - أن يكون الآباء القدوة الحسنة للأبناء: الأبوان هم أساس تنشئة الأبناء وإعدادهم للمجتمع، فيجب على الأبوين أن يكونا هم أنفسهم كما يريدا أن يكون عليه أولادهما، فلا يمكن أن نطلب من أولادنا أن يكونوا هادئين ونحن نتصرف أمامهم بعصبية، وننصحهم أونجبرهم على عدم التدخين ونحن ندخن أمامهم، فقبل أن نطلب منهم أن يكونوا صالحين علينا ان نصلح أنفسنا أولاً، فالحسن عند أولادنا ما استحسناه نحن، والقبح عندهم ما استقبحناه نحن.
5 – استخدام أسلوب الموعظة: وهو منهج حواري بناء يجب أن يسلكه الفرد في المجتمع، قال الله تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل 125، فعندما نطلب من أولادنا أن يقوموا بعمل ما، أو اتباع سلوك ما فمن المفيد أن نستخدم أسلوب الموعظة والترغيب من خلال مخاطبة مشاعرهم، فإذا أردنا منهم أن يحترمونا فعلينا أن نبين لهم ثواب الباريين بآبائهم من خلال القصص القرآنية ذات العبر، قال الله تعالى ( وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ، جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡۖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ) الرعد 22-23. 
6 – خلق مجال من الألفة بين الآباء والأبناء: فإيجاد جو من الألفة بين الآباء وأبنائهم له الأثر الكبير على حسن التفاعل الإيجابي معهم، ومن ثم استجابتهم وتقبلهم للقواعد التي يرسمها لهم آباؤهم بأريحيةٍ، من خلال ملاحظة ومتابعة سلوكهم وحركاتهم ونظراتهم وتعبيرات وجههم، بحيث يتشكل لدى الأبوان صورة معرفية كافية لكيفية وآلية التحاور والتعامل مع أولادهم وبالتالي إقناعهم بما يطلبون منهم.
7 – التحدث مع الأبناء: فالتحدث الودود مع الأبناء يزيد من التقارب معهم في المجالات التي تهمهم، كوضعهم في مدرستهم، ومن هم أصدقائهم، وعلاقتهم بمعلميهم، ومشاكلهم وطموحاتهم وأحلامهم المستقبلية وما يحبون وما يكرهون.
8 – استخدام اسلوب الحوار المهذب معهم: فعندما يطلب الآباء أي شيئ من أولادهم، يجب أن يكون أسلوب الطلب يحمل طابع اللطف والتهذيب، لأن مثل هذا الأسلوب الطيب سوف يجعل الأبناء مطيعون ويستجيبون بأريحية لطلب آبائهم. 
9 – تفهم وجهة نظر الأبناء: عندما يرفض الأبناء طلبات ورغبات آبائهم أو يتذمروا من تنفيذها، فمن الضروري محاورتهم، ومعرفة وجهة نظرهم في رفضهم أو تذمرهم، فقد تكون وجهة نظرهم صحيحة.
هنالك حالات يصر الأبناء على القيام بعمل ما خاطئ، ويصرون على القيام به، ورغم استخدام الأبوين الأساليب اللطيفة، ومحاولة التقرب والتودد منهم من أجل إقناعهم بعدم القيام به، لكنهم يرفضون ويعاندون ويتمردون، مثال ذلك تهرب الابن من كتابة واجباته المدرسية، أو العبث بأداة يمكن أن تسبب له الأذية، وهنا على الأبوين استخدام أسلوب الأمر الواضح من أجل الردع، من خلال رسم تعابير الغضب والاستياء على الوجه بشكل جلي، والنظر بثبات في عينيه، ومخاطبته باسمه، والطلب من بصيغة الأمر وبصوت حاد.
الحوار البناء بين الآباء والأبناء، يساعد على بناء أسرة سليمة قوية متماسكة، يسودها الألفة والمحبة والتفاهم واحترام الرأي والرأي الآخر، وينتج أسرة مثقفة يتمتع أفرادها بالثقة والقدرات العالية.
المقالات