أثر التفكك الأسري على الزوجين

الزوج وزوجته هما المحوران الرئيسيان في سعادة أو تعاسة أي أسرة، فإن كانا متفاهمين وحياتهما ملؤها الحب والمودة، والرحمة والتعاون والتقدير المتبادل بينهما، فإن حياتهما الأسرية ستسير على خير ما يرام، وتلك العلاقة القائمة بينهما ستنعكس إيجابياً على أولادهما، وينشئون النشأة الطيبة التي ستفرش أمامهم المستقبل النير. وإن حدث مشكلات بينهما، فسيكونا أول المتأثرين بهذه الخلافات، وإن كان لديهما أولاد فإن منعكسات تلك المشكلات ستصيب أولادهما.
 
ما هي تبعات حدوث مشكلات بين الزوجين؟
في حال حدوث مشكلات بين الزوجين، فإنهما سوف يصابون بالإحباط، وخيبة الأمل من صلاح حياتهما الزوجية، وتعرضِهما المستمر للضغوط النفسية، والكآبة والقلق ما داما مع بعضهما البعض، فيبعد أحدهما عن الآخر بروحه وجسده، أو يبتعد كلاهما عن بعضهما البعض، وكل واحد يسلك طريقه المستقل في حياته بعيداً عن شريكه، ولو كانا يعيشان مع بعضهما تحت سقف واحد.
 
ولكن ما هي آثار التفكك الأسري على الزوجين؟
 1 – استدامة واستفحال الخلافات بين الزوجين: 
 عندما ينظر كلا من الزوجين نحو موضوع ما، فإن نظرة كل منهما تكون متنافرة مع نظرة الآخر، بحيث أن لكل منهما رأي مخالف عن رأي الآخر، ويصل الأمر بينهما إلى أن يتعصب كل واحد منهما لرأيه، مما ينتج عنه الصخب والغضب والصياح والنقد والسخرية، أو أن ينسحب أحدهما من الحوار، وهو تعبير سلبي يدل على رفض الآخر، ويمكن أن تتطور الأحداث بينهما إلى التباعد، أو الانزواء، أو هجرة الفراش الزوجي، أو الضرب وما ينتج عنه من أذية جسدية ونفسية، وهذا كله من أجل أن يثبت كل واحد للآخر أنه على صواب، وأنه أعلم منه وأكثر فقهاً، وأن شريكه هو المخطئ، وتتسلل إلى أفكارهم ومشاعرهم وأحاسيسهم أن اختيارهما لبعضهما البعض كان خاطاً منذ البداية، وعندها يبدأ الندم، ويزداد التفاعل بينهما سلبيةً وقتامةً، وتسيطر عليهما مشاعر الحزن والهم، والإحباط والقلق، وهذا يمكن أن يصيب أحدهما أو كلاهما بالأمراض النفسية نتيجة الضغوط التي يتعرضان لها، وتصبح شخصيتهما تتميز بالانطوائية، أو القلقة، أو المزاجية، أو العدوانية، أو الشكية، أو الفصامية، أو الوسواسية، وهذه الأمراض النفسية سوف تؤثر على جسديهما مثيرة الهرمونات التي تؤدي إلى حدوث الأمراض العضوية.
 إن التنافر الذي يحصل بين الزوجين، يمكن أن يطال حتى العلاقة الحميمة بينهما، مثل الاضطرابات العاطفية، واضطراب في الرغبات الجنسية، والبرود الجنسي، وللهروب من المشكلات الأسرية بين الزوجين قد تقود أحدهما أو كلاهما إلى الإدمان على معاقرة الكحوليات، أو استخدام الأدوية النفسية، لابل حتى الادمان على المخدرات.
كل المشكلات و الاضطرابات والخلافات بين الزوجين ستطالهما أولاً، ومن ثم ستطال أولادهما ثانياً، فالآثار لن تكون محصورة بينهما فقط، لكن ستطال الأسرة بكاملها بأفرادها، وكما يقول المثل: الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون.
 
2 – سوء الظن بين الزوجين: 
إن لم يحسن الزوجان الظن ببعضهما البعض فإن سوء الظن بينهما سيؤدي إلى مشاكل كبيرة، فإن أخطأ أحدهما تجاه الآخر، فإن سوء الظن به قد يجعله يشك بأن شريكه لا يحبه كفاية أو أنه يكرهه، والشك بطبيعته يفقد الحب المودة والرحمة بين الزوجين، و يقودهما إلى التباعد ثم التفكك، فالحياة الزوجية لا يمكن أن تستمر بوجود الشك والريبة بين الزوجين، خاصة إن كان مصدر الشك من الزوج تجاه زوجته ، أما شك الزوجة تجاه زوجها وتأثيره على الحياة الزوجية يكون أخف وطأة.
 
3 – امتداد الخلافات إلى الأسر الأخرى:
مثال ذلك انتقال المشاكل الأسرية من أسرة الزوجين المختلفين لتطال أسرة الزوج وأسرة الزوجة، بحيث أن كل أسرة سوف تتعاطف وتدعم وتتعصب لابنها أو لابنتها، وقد تطال عوائل أخرى أبعد من أسرتي الزوجين بحكم المصاهرة، فتزداد الأمور تأزماً، ويحدث الشقاق بين العائلتين القريبتين، وتتأجج مشاعر البغضاء وتزداد المشاحنات والعداوات بين أفراد الأسرتين، من باب الانتقام باستخدام أساليب الضغط المادي والمعنوي والسيطرة والتهديد والقطيعة، كسلاح للضغط من طرف أسرة على طرف أسرة أخرى. 
ومثل تلك السلوكيات قد تطال المجتمع ككل بما تسبب من خلافات ومشاكل وتؤدي إلى الحقد والكره وتقوض الأمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، وعن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)، فللمحبة والتفاهم والتواصل ونبذ الخلافات دور في حل الخلافات. 
 
وما حادثة الإفك التي وردت في القرآن الكريم إلا خير مثال، ففيها لنا دروس وعبر، حيث أراد سيدنا أبي بكر أن يقطع المساعدة المالية عن قريب له شارك في إشاعة الإفك، قال الله تعالى (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) النور 22.
 وهذه دعوة من الله عز وجل إلى أن يحرص المسلمون على التحابب والترابط والابتعاد عن الكره و البغض والقطيعة بينهم.
المقالات